أوراق موقف

ورقة موقف: حول اجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغريبة دون قطاع غزة.

ورقة موقف

حول اجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغريبة دون قطاع غزة

مقدمة:

قررت حكومة الوفاق الوطني يوم الثلاثاء الموافق 28/2/2017 خلال جلستها الأسبوعية في بيت لحم ، إجراء الانتخابات المحلية في الـ 13 من أيار/ مايو القادم، وتأجيل عقدها في غزة، متذرعة برفض حركة “حماس” إجراءها في القطاع([1]). وقالت الحكومة أنها قررت إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقط بعد فشل الجهود مع حركة حماس للموافقة على إجرائها في قطاع غزة.

وأضافت الحكومة في بيان بعد اجتماعها الأسبوعي برئاسة رامي الحمد الله أن القرار جاء “بناء على الكتاب الوارد من رئيس لجنة الانتخابات المركزية إلى دولة رئيس الوزراء الذي يشير فيه إلى تعذر إجراء الانتخابات في قطاع غزة إثر لقاء وفد لجنة الانتخابات المركزية مع حركة حماس (.([2]”

ويعتبر قرار الحكومة اليوم مخالفاً لقرراها الصادر رسمياً يوم الثلاثاء 31/1/2017، والذي جاء بالتنسيق مع الرئيس بإجراء انتخابات الهيئات المحلية يوم 13/05/2017 في كافة أرجاء الوطن([3]).  وجاء القرار السابق بإجراء الانتخابات في كافة أرجاء الوطن، عقب توصية من وزارة الحكم المحلي قدمتها لمجلس الوزراء، وأكد وزير الحكم المحلي حسين الأعرج وجود توجه لدى الحكومة والقيادة وبتعليمات من الرئيس بإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن([4]).

وجاء القرار الجديد بإجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقط، متعارضاً مع القرار السابق ، وإعلان واضح بالفشل أمام فرص إجراء انتخابات توافقية على مستوى الأراضي الفلسطينية ، وليعيد الجدل والخلاف حول الانتخابات البلدية  على واجهة الأحداث المحلية على المستويات السياسية والقانونية والحقوقية.

تسعى هذه الورقة إلى التعرض لقرار الحكومة بالتحليل القانوني والحقوقي، وتداعياته السياسية، وفرص ومعوقات إجراء انتخابات موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزه بعد صدور القرار، ولمواقف الأطراف الفاعلة من قرار إجراء انتخابات محلية في الضفة الغربية دون قطاع غزه، والآثار المترتبة عليه، وصولاً لمجموعة من النتائج والتوصيات الهامة.

أولا: معوقات إجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزه:-

1-التخبط السياسي والقضائي: –

تعددت وتناقضت القرارات السياسية التي اتخذتها الحكومية والمتعلقة بالانتخابات المحلية، وما تبعها من قرارات قضائية، وذلك على النحو: –

  • بتاريخ 21/6/2016 قررت الحكومة إجراء الانتخابات المحلية، ووافقت حركتي حماس وفتح وكافة الفصائل الأخرى، باستثناء الجهاد الإسلامي، على المشاركة فيها. وساهم جهد لجنة الانتخابات المركزية في تعزيز أفق إجرائها، وخاصة بعد إتمام عملية التسجيل وعملية الترشح، إضافة إلى توقيع الفصائل على “ميثاق شرف” يكون ضامنًا لإجرائها وفق قواعد النزاهة والشفافية.
  • -تعرضت الانتخابات إلى انتكاسة في مرحلة الطعون، وخاصة بعد أن قبلت لجنة الانتخابات طعونًا قدمتها ” حركة حماس” في بعض قوائم “حركة فتح ” التي أدت إلى إسقاط العديد من القوائم لحركة فتح ([5]).
  • رفضت “فتح” ذلك الأمر، وأعلنت نيتها عدم التوجه إلى محاكم البداية في قطاع غزة، وتوجهها إلى محكمة العدل العليا في رام الله للطعن في قرار مجلس الوزراء ( ثم استكملت حركة حماس الطعون أمام محاكم البداية في غزه ، والتي قامت بدورها بشطب مجموعة من قوائم حركة فتح ، عدا عن التي شطبتها لجنة الانتخابات المركزية.
  • بتاريخ 3/10/2016 صدر قرار المحكمة القاضي بإجراء انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزة([6] ).
  • لم تنفذ الحكومة قرار المحكمة، وأصدرت قرارًا بتأجيل الانتخابات لأربعة أشهر، خاصة بعد توصية لجنة الانتخابات بالتأجيل، التي أصدرت لاحقًا بيانًا بإلغاء كافة الإجراءات والخطوات ذات العلاقة بالعملية الانتخابية في ضوء التأجيل,على أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتذيل عقبات إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزه .
  • بتاريخ 31/1/2017 قررت إجراء انتخابات الهيئات المحلية يوم 13/05/2017 في كافة أرجاء الوطن، دون اتخاذ أية إجراءات لتذليل عوامل فشل الانتخابات.
  • بتاريخ 28/2/2017 اتخذت الحكومة قرارها الأخير بإجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزه.

2-القرارات بقانون :-

عدل الرئيس قانون انتخابات الهيئات المحلية بموجب قرار بقانون، وكان التعديل الأبرز هو النص على تشكيل محكمة قضايا الانتخابات تتولى الرقابة القضائية على قرارات لجنة الانتخابات المركزية بدلاً من محاكم البداية. وستضم المحكمة قضاة سينظرون في الطعون وكافة الجرائم والمسائل القانونية للانتخابات المحلية( [7]).

ومن المؤكد أن المرسوم الرئاسي بتشكيل المحكمة لن يشمل أي من قضاة غزه الذين عملوا في سلك القضاء بعد الانقسام.

وقد واجه تعديل قانون الانتخابات دون توافق اعتراضات غالبية الفصائل الفلسطينية، كما دعت بعضها إلى أن تشكل محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق الكامل، وطالبت اختيار قضاة محايدين ونزيهين للنظر في كافة القضايا ذات العلاقة بالانتخابات.

ويعد تعديل القانون من الرئيس أبو مازن ونقل اختصاصات محاكم البداية لمحكمة قضايا الانتخابات محل خلاف جوهري لإجراء الانتخابات المحلية في كل الوطن. وما يدلل على ذلك رفض حركة حماس القاطع لتعديل قانون الانتخابات وتشكيل محكمة قضايا الانتخابات، كونها من الناحية العملية تعني شطب دور الجهاز القضائي الموجود بغزة وعدم الاعتراف به.

وقال الناطق باسم الحركة فوزي برهوم في تصريح صحفي إن الجهة المختصة بالبت في قضايا الانتخابات المحلية هي محكمة البداية وذلك حسب قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية رقم (10) لعام (2005) ([8])  وبالنسبة إلى “حماس”، فإن الموافقة على مثل هذا التعديل، بعد نزع “الشرعية” عن المحاكم في القطاع بقرار من محكمة العدل العليا أو بقرار من الرئيس بتشكيل هذه المحكمة الخاصة، تبدو بمثابة تسليم يصعب حدوثه بنتائج هذا القرار .

في حين أن باقي الفصائل تحفظت على تعديل القانون، ودعت للتوافق على تشكيل المحكمة، وعلى إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزه في ذات الوقت ، ولكن جاء قرار الحكومة الأخير ليفرض تحديات ومعوقات جديدة، يصعب تذليلها.

ثانيا: الموقف القانوني والحقوقي: –

إن قرار إجراء الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزه يتعارض مع مبادئ دستورية هامة منصوص عليها في القانون الأساسي، ولعل أبرزها: المساواة أمام القانون والقضاء وعدم التمييز، ومن الواضح أن القرار يميز ما بين المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزه، وبالإضافة لذلك يمثل عدم اجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة انتهاكاً لحقوق المواطنين في المشاركة السياسية، ما يشكل تهديداً حقيقياً لمفهوم وتجليات المواطنة.

ثالثاً: مواقف الأطراف المختلفة حول قرار الانتخابات: –

حركة حماس

قال فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس “قرار حكومة الضفة الغربية بإجراء الانتخابات المحلية في الضفة دون غزة بمثابة وصفة لتكريس الانقسام.”

وأضاف في بيان صحفي “إن الظروف الأمنية والقانونية والفئوية التي رسختها حركة فتح في الضفة وقرارات الرئيس عباس ومراسيمه الأخيرة بخصوص العملية الانتخابية وتشكيل محكمة قضايا الانتخابات… يحول دون تحقيق مبدأ النزاهة والشفافية واحترام النتائج.[9]”

ورأى الناطق باسم الحركة، حازم قاسم، في حديث لـ “قدس برس” اليوم الثلاثاء، أن قرار الحكومة الفلسطينية “ضربة لجهود المصالحة، وتعبير على أنها (الحكومة) تتعامل بمنطق فئوي في الموضوع الفلسطيني وتتصرف كأنها تابعة لحركة فتح”.

ودعا قاسم لـ “توفير البيئة القانونية الأمنية والسياسية اللازمة”، وإلغاء التعديلات الأخيرة على قانون الانتخابات، مشددًا على أهمية أن تكون كل الإجراءات “عبر التوافق الوطني وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات”. وطالب حكومة التوافق بعدم “التلاعب في الانتخابات، لأنها حق من حقوق الشعب الفلسطيني”[10].

الجبهة الشعبية: –

دعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى عدم تحويل هذا القرار إلى محطة إضافية في واقع الانقسام القائم، وإلى استمرار بذل الجهود للوصول إلى توافق وطني يفضي إلى إجراء الانتخابات المحلية في القطاع بالتزامن مع الضفة، باعتبارها حاجة وحق ديمقراطي يجب الحرص على صيانته وتجسيده، والنظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها محطة يمكن البناء عليها لمغادرة حالة الانقسام.

وشددت الجبهة على أهمية احتواء أي تداعيات سلبية قد تنشأ عن قرار الحكومة، من خلال المسارعة لعقد لقاءات وطنية تقف أمام الأسباب الجوهرية التي أدّت إلى تأجيل الانتخابات المحلية فيما سبق، والتي قادت إلى تأجيل إجراءها في قطاع غزة كما صدر عن الحكومة هذا اليوم، وهو ما يتطلب التوافق على تأجيل إجراء الانتخابات لثلاثة أشهر.

كما أشارت ، إلى أنها ستبدأ مشاوراتها الداخلية، ومع القوى الديمقراطية والوطنية لبحث كيفية التعامل مع قرار إجراء الانتخابات في الضفة دون القطاع، انطلاقاً من المصلحة الوطنية التي يجب إعلاء شأنها على أي اعتبار آخر([11]).

ولم تتضح بعد مواقف الفصائل الفلسطينية من المشاركة في انتخابات الضفة الغربية حال إصرار الحكومة على إجرائها، وعدم موافقة حماس.

رابعا: النتائج المترتبة على الانتخابات في الضفة دون قطاع غزه: –

  • الإمعان في هدم مبدأ سيادة القانون، فقرار إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزه غير مشروع يتعارض مع أحكام القانون الأساسي وقانون انتخابات الهيئات المحلية.
  • إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية دون قطاع غزه، خطوة باتجاه تعزيز الانقسام، وتعميق أزمة النظام السياسي الفلسطيني، قد يقابلها إجراءات تأخذها الجهات الحكومية في غزة من أجل تعين لجان لإدارة البلديات في غزة، ما يزيد من حده الانقسام الهرمي في السلطة المحلية.
  • سترتب على عدم إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزه، انتهاك حق المواطنة لأبناء قطاع غزه وحرمانهم من المشاركة والمساءلة والمحاسبة والتغيير، في الهيئات المحلية.
  • استمرار حرمان بلديات قطاع غزه من دعم الدول المانحة لعدم وجود مجالس محلية منتخبة.
  • تميزت قرارات حكومة الوحدة الوطنية تجاه الانتخابات المحلية بالتعدد والتعارض والتخبط الأمر الذي يشكل سوابق واقعية يخشى من نتائجها على الانتخابات الرئاسية والتشريعية .

التوصيات: –

  • عدم سن قرارات بقانون دون توافق، إعطاء الأولوية لتهيئة الأجواء لإطلاق حوار وطني شامل وجدي لإنهاء الانقسام.
  • عدم إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزه دون توافق، وإعطاء مهلة إضافية لإزالة العقبات أمام إجراء الانتخابات المحلية من خلال حوار وطني ومجتمعي يكفل التوصل إلى اتفاق بين مختلف الأطراف، يحدد المبادئ والمرتكزات والضمانات لإجراء الانتخابات المحلية بالتزامن في كافة المواقع.
  • العمل على توحيد الجهاز القضائي في الضفة والقطاع، أو على الأقل التوافق على تشكيل محكمة الانتخابات بما يضمن استقلاليتها وعملها.
  • مقاطعة أية انتخابات لا تشمل أيضا القدس وقطاع غزة، لأن من شأن ذلك أن يسهم في تعزيز الانقسام والانتقاص من الشرعية الديمقراطية لمخرجات العملية الانتخابية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى