الحقوق الفلسطينية وانتقائية وازدواجية المعايير
بقلم/ د. صلاح عبد العاطي
دأبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات احتلالها الحربي للأراضي الفلسطينية المحتلة لا سيما أراضي الضفة الغربية والقدس على تكريس الاستيطان الاستعماري وانتهاج سياسة الاستيلاء على الأرضي وضمها، وتعمد تهويد مدينة القدس وهدم المنازل ومنع البناء للسكان الفلسطينيين ، والاستمرار في إقامه الجدار وإنشاء والتوسع في بناء المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وفصل المدن والقرى في الضفة الغربية عن بعضها البعض، واقتحام المدن والمخيمات الفلسطينية وقتل المواطنين واعتقالهم، واستمرار سياسات التمييز العنصري بحق المواطنين الفلسطينيين في مناطق 48، ومصادرة الأراضي وسن تشريعات عنصرية بهدف اضطهاد المواطنين العرب، ومؤخراً جرى تشكيل مليشيات مسلحة من المستوطنين خاصة في النقب للاعتداء على المواطنين العرب، ومواصلة الحصار على قطاع غزة للعام 16على التوالي، حيث تمارس هذه الجرائم بشكل مدروس يرتكز على منهجيه يعززها العنصرية والتطرف ضد الإنسان الفلسطيني، لحرمانه من ممارسة حقه في تقرير المصير، ويساعدها في ذلك استمرار حالة الصمت الدولي وازدواجية المعايير والإجراءات الأمريكية الداعمة للاحتلال، رغم أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني خلال السنوات الماضية تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم، وتستوجب محاسبة ومسائلة وملاحقة مرتكبيها وجبر الضرر عن ضحاياها.
ولكن سياسية ازدواجية المعايير ترفض أن تسمي الاشياء وفق مقتضاه ، ما جعل من العالم أشبه بالغابة، فقد أدت السياسات الاستعمارية لدولة الاحتلال الإسرائيلي وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية سابقا ولاحقا في انتقائية تنفيذ القانون الدولي، وتسيس القرارات الدولية، حيث ترفض الولايات المتحدة وأوروبا استخدام الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة وحتي مناقشة الحقوق الفلسطينية والعربية تحت الباب السابع في مجلس حقوق الإنسان ، كما وترفض اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، عدا عن غض الطرف عن جرائم دولة الاحتلال الإسرائيلي ، حتي أن الاتحاد الأوروبي يرفض تطبيق ميثاقه الذي يقضي بتعليق اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، بل وصل الأمر زعلي نقيض الحق في تقرير المصير والمعايير القانونية بوسم حركات التحرر بالإرهاب في مغالطة ظالمة غير قانونية وغير أخلاقية ، ما يعزز من استمرار منطق القوة بديلا لمنطق الحق وسيادة القانون، ولعل تبعية الاتحاد الأوروبي الأمنية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية وموافقته أو صمته عن عدوانها علي حقوق الشعوب يدفع بأن تتحمل أروبا كلفة هذا الجرائم .
ولعل وقف شريعة الغاب، يتطلب وقف الدعم الأمريكي والأوروبي المقدم لدولة الاحتلال الإسرائيلي والصمت عن جرائمها بحق الفلسطينيين وضمان تعزيز العلاقات القائمة على احترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتعويض العالم الثالث عن سنوات القهر والاستعمار وتقديم الدعم لكل القرارات الدولية الداعمة لحقوق الشعوب والإنسان، وتعزيز التعاون الدولي لمحاربة الفقر والأمراض ودعم التنمية ووقف الاحتكارات، وتحرير السياسية الأوروبية من العنصرية والصهيونية والتبعية الأمنية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، وبناء علاقات اقتصادية وإنسانية وأمنية تقوم علي الاحترام وقيم العدل والسلام والحرية وتقرير المصير ومحاربة ومنع ارهاب الدول ودعم حق الشعوب في الاستقلال وتعزيز قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعندها سيكون العالم أفضل لأوروبا ولكل البشر فالحقوق البشرية عالمية غير قابلة للتجزئة أو الانتقاص .
فسياسية ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين المُتبعة مِن قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وحُلفائها من الغرب والتي ظهرت واضحة خلال التنديدات والعقوبات الصادرة عن المنظمات الدولية والدول الغربية بحق الاتحاد الروسي إثر العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية، من خلال التوظيف السياسي للاقتصاد، والإعلام، والرياضة، والتعليم الجامعي، واشاعة التمييز العنصري بين اللاجئين، والتوسع في الاستناد إلى مفاهيم عنصرية وعرقية ودينية، والدعوة الى تجييش المرتزقة من شتى بقاع العالم، للذهاب للقتال في أوكرانيا وتحشيد قوات الناتو بالتزامن مع توريدها الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا بما يخدم إدامة النزاع المسلح ويوسع جغرافيتها بدلاً من العمل على إيقافها وحلها بالتفاوض والحوار، تعد خير شاهد على غياب العدالة الدولية واستمرار ازدواجية المعايير.
حيث يستمر تجاهل العالم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لانتهاكات وإجراءات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، حيث غاب ويغيب الحد الأدنى من الإجراءات أو التحركات الجادة لجهة إرغام الاحتلال على انصاف الشعب الفلسطيني، واحترام حقوقه الوطنية المُسندة بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى جانب معايير القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
حيث غابت التحركات الفاعلة لإدانة وتجريم ما تعرض ويتعرض له الشعب الفلسطيني على امتداد 74 عاماً، ولم تتخد الحد الأدنى من الجراءات لضمان معاقبة ومسائلة دولة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني إضافة إلى الامتناع عن تنفيذ قرارات مؤسسات المجتمع الدولي في التضحية بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والأمن والسلم في المنطقة.
فاستمرار ازدواجية المعايير يهدد بانهيار مجمل نظام الحماية والعدالة الدولية والقانون الدولي، كون آليات الحماية ومعايير القانون الدولي لم توضع لاستهداف دول بعينها واستثناء أخرى.
في ظل الفترة الانتقالية التي يعيشها العالم من الأهمية التحرك لضمان الضغط على المجتمع الدولي للعمل علي وقف الانتهاكات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيز وتبني حركة المقاطعة لدولة الاحتلال وتفعيل كافة أشكال التضامن الدولي مع نضال وحقوق الشعب الفلسطيني ، إضافة إلى استخدام كافة الهوامش التي اتيحت جراء انضمام فلسطين إلى الأجسام والاتفاقيات الدولية لضمان تفعيل مسارات محاسبة دولة الاحتلال وقادتها وتوفير الحماية للفلسطينين، ولكن هذا لا يعني أننا سنستيقظ في اليوم التالي لنجد أن هناك نظام دوليا قد أقر الحماية للمدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة كخطوة أولى على طريق انهاء الاحتلال، ولكنها محطة على طريق النضال الوطني لأنهاء الاحتلال، إضافة إلى ممارسة الحق في المقاومة بكافة الأشكال المكفولة بموجب المواثيق الدولية، ولعل ما سبق يتطلب المتابعة الجادة من قبل القيادة والدبلوماسية الفلسطينية للبدء في اقرار وتطبيق استراتيجية وطنية وعربية ودولية شاملة تقوم على تدويل الصراع والتحلل من قيود والتزامات اتفاقية أوسلو، والبناء على مقاربات استعادة الوحدة الوطنية والقانون الدولي، بما يمكن من استخدام كافة الأدوات والتحركات الكفاحية الشعبية والدبلوماسية والسياسية والقانونية لرفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي، وللمطالبة بمسار جاد لانفاذ قرارات الشرعة الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.