
حشد” تصدر تقريرًا شاملًا يوثّق الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة بعنوان النزوح القسري نحو الجنوب اوامر اخلاء وإبادة ممنهجة بحق المناطق الانسانية الامنة
التاريخ: 2 ديسمبر 2025
خبر صحافي
حشد” تصدر تقريرًا شاملًا يوثّق الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة بعنوان النزوح القسري نحو الجنوب اوامر اخلاء وإبادة ممنهجة بحق المناطق الانسانية الامنة
أصدرت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” تقريرًا موسعًا ومرجعياً يوثّق الانتهاكات الإسرائيلية المتصاعدة في قطاع غزة والضفة الغربية منذ بدء حرب الإبادة الجماعية بعنوان “النزوح القسري نحو الجنوب اوامر اخلاء وإبادة ممنهجة بحق المناطق الانسانية الامنة” ، اعداد الباحثة ياسمين قاسم ويحلّل بدقة الممارسات التي رافقت أوامر الإخلاء القسري التي استخدمتها سلطات الاحتلال كأداة مركزية في عمليات التهجير وإعادة تشكيل الخريطة السكانية للقطاع، في مخالفة واضحة وصريحة لأحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. وجاء التقرير في وقت تتواصل فيه العمليات الحربية واسعة النطاق، التي استهدفت المدنيين والبنى التحتية والمناطق السكنية بشكل ممنهج، ما أدى إلى تدهور إنساني غير مسبوق ونزوح مئات الآلاف من المواطنين في ظروف بالغة القسوة.
ويؤكد التقرير أن الاحتلال، وفي ظل استمرار هجماته الشرسة على المناطق السكنية والمخيمات والمرافق المدنية، استخدم أوامر الإخلاء ليس كإجراء استثنائي يهدف لحماية المدنيين وفق ما تنص عليه المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة — بل كأداة قسرية لفرض النزوح الجماعي وتغيير الواقع الديموغرافي، مستغلًا الثغرات القانونية التي أتاحت إمكانية الإخلاء في “حالات الضرورة الأمنية المؤقتة” ليحوّل هذا الاستثناء المحدود إلى سياسة راسخة مرتبطة بمخططات عسكرية وجغرافية تمتد على كامل مناطق القطاع. ويوضح التقرير أن النص القانوني الذي سمح — على سبيل الاستثناء — بإجلاء السكان في ظروف محددة للغاية، تم تحويره من قبل سلطات الاحتلال ليصبح غطاءً لعمليات التهجير القسري واسعة النطاق، في حين أن القانون الدولي يشدد بشكل قاطع على أن الأصل هو حظر النقل الجبري وأن أي إخلاء لا بد أن يكون مؤقتًا، محدودًا، وفي إطار ضمان سلامة السكان وتأمين عودتهم فور زوال الخطر.
ويشير التقرير إلى أن سلطات الاحتلال استغلت هذا الإطار القانوني بشكل مغاير تمامًا، من خلال تطبيق نوعين من الإخلاء: الأول هو الإخلاء الجزئي الذي يتم عبر اتصالات مباشرة أو إسقاط صواريخ “تحذيرية” على أسطح المباني، بهدف دفع السكان إلى مغادرة منازلهم خلال لحظات قليلة لا تسمح بأي إخلاء فعلي، ما أدى إلى مقتل العديد من المدنيين أثناء محاولتهم الهرب أو تجمعهم قرب المباني. ويبين التقرير أن هذا النوع الذي يدّعي الاحتلال أنه “إجراء إنساني” ينفّذ غالبًا في ظل غياب أي طرق آمنة أو بدائل سكنية، ويُستخدم لترهيب السكان وإضفاء شرعية زائفة على القصف اللاحق. كما يؤكد التقرير أن الإخلاء الجزئي تحوّل عمليًا إلى وسيلة ترهيب نفسي وتبرير سياسي للقتل، وليس إلى تدبير للحماية، إذ لا تتوفر خلاله أي من الضمانات القانونية التي توجبها المعايير الدولية، ما يجعله مخالفًا للقانون الدولي الإنساني من حيث الشكل والمضمون.
أما النوع الثاني، وهو الإخلاء الكلي، فقد شكّل أحد أخطر الممارسات التي ارتكبها الاحتلال خلال الحرب، نظرًا لاتساع نطاقه وشموله مناطق كاملة في شمال غزة والوسطى والجنوب. فقد صدرت أوامر متتالية لجميع سكان شمال قطاع غزة — ويُقدّر عددهم بأكثر من مليون إنسان تطالبهم بالنزوح نحو الجنوب، تحت تهديد القصف المباشر، وفي ظل تدمير الطرقات وانعدام الممرات الإنسانية. ويوثق التقرير حالات عديدة استهدف فيها الاحتلال مواكب النازحين أثناء انتقالهم، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا، بينما كانت المناطق التي طُلب من المدنيين الانتقال إليها تُقصف بدورها بعد ساعات قليلة، الأمر الذي ينفي تمامًا ادعاءات “الحماية” ويعزز حقيقة أن الهدف هو التهجير القسري الشامل وإفراغ الشمال من سكانه، في سياق يشكل مخالفة خطيرة ترتقي إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي. ويؤكد التقرير أن الإخلاء الكلي لم يكن إجراءً مؤقتًا مرتبطًا بعمليات عسكرية محددة، بل امتد تدريجيًا ليشمل جميع محافظات القطاع، حتى باتت غزة بأكملها منطقة نزوح مفتوحة بلا أي مكان آمن.
ويتطرق التقرير إلى مفهوم الإخلاء بالإكراه وفق ما عرفته لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بوصفه عملية يتم فيها إخراج الأفراد والأسر من منازلهم دون إرادتهم الحرة ودون توفير بدائل آمنة أو ضمانات قانونية، وهو ما ينطبق بالكامل على أوضاع قطاع غزة، حيث أُجبر السكان على المغادرة تحت تهديد القصف المباشر، ومن دون توفير أي سبل للحماية أو الطعن أو التعويض أو السكن البديل. ويوضح التقرير أن غياب الإجراءات القانونية وغياب الحماية وإنكار حق العودة يجعل أوامر الإخلاء الإسرائيلية صورة واضحة للنقل القسري الذي يُعد محظورًا بشكل مطلق في اتفاقيات جنيف، ولا يمكن اعتباره “تحذيرًا” أو “ضرورة عسكرية” بأي شكل من الأشكال، بل أداة للتهجير الجماعي وإعادة تشكيل الواقع الجغرافي للقطاع.
ويفصل التقرير في الوسائل التي استخدمها الاحتلال لتنفيذ أوامر الإخلاء، والتي اعتُبرت جزءًا من حرب نفسية ممنهجة تستهدف إرغام المدنيين على النزوح. فقد اعتمدت قوات الاحتلال على مئات المناشير الورقية التي ألقتها الطائرات على مناطق واسعة، تتضمن خرائط ملونة للمناطق المطلوب إخلاؤها وعبارات تهديد وترهيب مثل “غادر فورًا”، “من يبقى يتحمل المسؤولية”، و”المنطقة ستقصف قريبًا”. ويشير التقرير إلى أن هذه المنشورات كانت تُلقى غالبًا على مناطق محاصرة أو مدمرة، ما يجعل تنفيذها مستحيلًا، في حين كانت كثير من هذه المناشير تسبق قصفًا مباشرًا على المناطق ذاتها، ما يكشف استخدامها كأداة للتخويف وليس للحماية. كما وثقت الهيئة الدولية “حشد” استخدام الاحتلال لهذه المناشير لبث الفوضى عبر نشر صور لمطلوبين وتشجيع السكان على التعامل الأمني، في محاولة لضرب الروابط الاجتماعية وخلق حالة من الانهيار المجتمعي، في مخالفة واضحة للمادة (47) من اتفاقية لاهاي ونظام روما الأساسي الذي يجرّم الاستيلاء على الممتلكات واستخدام الوسائل الدعائية القسرية في مناطق النزاعات.
وتؤكد الهيئة الدولية “حشد” في تقريرها أن جميع هذه الممارسات سواء الإخلاء الجزئي أو الكلي أو الإخلاء بالإكراه تشكل منظومة واحدة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وتدمير البنية الاجتماعية الفلسطينية، وإعادة رسم الخارطة الديموغرافية لقطاع غزة في إطار مخطط طويل الأمد يستند إلى القوة لا إلى أي مبررات قانونية أو عسكرية فعلية، مشددة على أن ما حدث وُثّق بأدلة دامغة وشهادات مباشرة تؤكد أن أوامر الإخلاء لم تكن يومًا إجراءات إنسانية، بل جزءًا من سياسة الإبادة الجماعية والتهجير التي مورست ضد المدنيين.
وتدعو الهيئة في ختام تقريرها المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى اتخاذ خطوات عاجلة وملزمة لوقف هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وتوفير حماية فورية للمدنيين، وضمان حق العائلات في العودة إلى مناطقها، ورفض أي مشاريع تهدف إلى فرض واقع جغرافي جديد بالقوة، مع التأكيد على ضرورة توفير ممرات آمنة وإغاثة عاجلة للسكان الذين يعيشون أكبر كارثة إنسانية في تاريخ القطاع.



