حشد تصدر ورقة بحثية حول – الإجراءات الامريكية الاخيرة في ميزان القانون الدولي

حشد تصدر ورقة بحثية حول – الإجراءات الامريكية الاخيرة في ميزان القانون الدولي

رمزي ابو العون
2023-03-11T20:37:30+03:00
دراسات وأبحاث

ورقة بحثية حول

الإجراءات الامريكية الاخيرة في ميزان القانون الدولي

بقلم المحامية : نرمين مطير

مع تولي المرشح الجمهوري دونالد ترامب لمنصب الرئيس الأمريكي في مطلع سنة 2017، يكون الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة قد مضى عليه نصف قرن، تولى خلاله عشرة رؤساء أمريكيون السلطة، منهم أربعة رؤساء ديموقراطيون وستة رؤساء جمهوريون، وحكم الجمهوريون 28 سنة، بينما حكم الديموقراطيون 26 سنة، بمعنى أن الحكم كان مناصفة بين الحزبين طرفين منذ جونسون وانتهاء بترامب.

وعند رصد الملامح الاستراتيجية للسياسة الأمريكية التي انتهجها الرؤساء العشرة، يصعب العثور على تباينات جوهرية فيما بينهم حول القضية الفلسطينية، إذ شكل الانحياز الخشن والناعم لـدولة الاحتلال السمة المشتركة بينهم، فهل ستعرف فترة ترامب الجمهوري تغيراً تكتيكياً أو استراتيجياً في الاتجاه السائد في السياسة الأمريكية؟، وعليه فستتناول هذه الورقة الاجراءات الأمريكية الأخيرة فيما يتعلق بفلسطين، من عدة نواحي على النحو التالي:

أولاً : تقليص الاموال الممنوحة للسلطة الفلسطينية:

مع إنشاء السلطة الفلسطينيّة العام 1994، بموجب اتّفاق أوسلو لعام 1993، تعهّد المجتمع الدوليّ بتوفير الدعم الماليّ والاقتصاديّ لها، بما وصلت قيمته منذ إنشائها حتى اليوم حوالي 17 مليار دولار أمريكي، وتوجّه معظمه إلى دعم موازنة الحكومة الفلسطينيّة.

وقد أظهر تقرير مالي لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني “ماس”، يناير2016 أن السلطة الفلسطينية حصلت في عام 2015 على نصف مساعدات الدول المانحة، وأنّ هناك تراجعاً حادّاً في المساعدات الخارجيّة، التي تشكّل 37% من الموازنة العامّة الفلسطينية، في حين أن باقي مكونات الموازنة العامة الفلسطينية تتكون من الجباية المحلية والإيرادات الضريبية وأموال المقاصة لدى الجانب الإسرائيلي.

وفي ذات السياق فقد أعرب البيت الأبيض عن دعمه لمشروع قانون يقضي بتقليص التمويل الأمريكي لميزانية السلطة الفلسطينية، بناءً على قانون “تايلور فورس”، إن لم تتوقف السلطة عن دفع معاشات منفذي الهجمات ضد الاحتلال وعائلاتهم، كما ويدعو القانون المذكور “جميع الدول المانحة” إلى وقف الدعم المباشر للسلطة الفلسطينية، ما لم تتوقف الأخيرة عن دعم ما أسمته “بتحفيز الإرهاب”، كما وتشترط لعودة الدعم إلغاء السلطة لأي قوانين من شأنها أن تؤدي إلى تعويض عائلات الأسرى والشهداء.

موقف القانون الدولي:

ان وقف المساعدات الأمريكية لميزانية السلطة، يمثل مسلكاً ابتزازياً، يرفضه القانون الدولي في التعامل بين الدول، كما وينافي مبادئ التعاون الدولي المشترك، والمكفول بالمعاهدات الدولية وعلي رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، وما ورد فيه بشأن أن تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد بأن تتخذ بمفردها أو عن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، لاسميا علي الصعيدين الاقتصادي والتقني بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة.

ثانيا: رفض واشنطن تجديد رخصة مكتب منظمة التحرير:

رفضت الإدارة الأمريكية مؤخراً تجديد تصريح عمل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن في الوقت المحدد، دونما أي سبب، ما دفع المنظمة إلى التهديد بتجميد كافة أشكال الاتصالات مع واشنطن، إلى حين إعادة فتح المكتب، وكشف وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أن السلطة تسلمت رسالة من الخارجية الأمريكية تقول إن “وزير الخارجية لم يتمكن من إيجاد ما يكفي من الأسباب للإبقاء على المكتب مفتوحاً”، وقد يكون خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، السبب وراء الموقف الأمريكي، لاسيما وأنه تطرق إلى إمكانية رفع ملف الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى المحكمة الجنائية الدولية السبب وراء الموقف الأمريكي.

وعلى إثر ذلك فقد أبدت الرئاسة الفلسطينية، اعتراضها الشديد علي هذا القرار الذي وصفته بالخطوة الغير مسبوقة، والذي سيؤثر سلباً علي عملية السلام وعلي العلاقات العربية الأمريكية، خاصة ان اللقاءات التي جرت ما بين الرئيس الفلسطيني ونظيره الأمريكي كان يسودها التفاهم، وعليه فإن السياسة الأمريكية الأخيرة تعبر عن الدعم المطلق والمتواصل للاحتلال الإسرائيلي، بما يناقض صريح قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بفلسطين.

موقف القانون الدولي:

 يعتبر قرار رفض الإدارة الأمريكية تجديد ترخيص مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، ابتزازاً سياسياً للقيادة والسلطة الفلسطينية، بهدف التأثير والضغط لجهة إرهاب الأخيرة لتقديم مزيداً من التنازلات ضمن مشروع التسوية السياسية، بما يخدم الرواية الاسرائيلية، ما يعتبر انحيازاً أمريكياً لدولة الاحتلال، وأن هذا القرار يمثل نوعاً من أنواع التهديد للسلطة الفلسطينية، يتعارض مع دورها كراعٍ لجهود إحياء عملية السلام.

ومن ناحية أخرى فإنه لا يجوز للإدارة الأمريكية الربط بين تجديد رخصة مكتب منظمة التحرير، وعدم توجه الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية، والطلب منها إحالة جرائم الحرب الإسرائيلية تمهيداً لفتح تحقيق قضائي للجرائم الاسرائيلية المرتكبة بحق شعبنا.

ثالثا: القرار الامريكي باعتبار حركة حماس حركة ارهابية:

بادئ ذي بدء فإن التصنيف الأمريكي لحركة المقاومة الاسلامية حماس كحركة إرهابية ليس بجديداً، لكنه تكرر إذ جاء بتصريح الرئيس الأمريكي “ترامب”، عقب تعديل حماس لوثيقتها السياسية الصادرة عنها مؤخراً، والتي قبِلت بموجبها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو1967، الأمر الذي ينسجم مع تعريف الدعاية الصهيونية للإرهاب، والذي يعني لديهم استخدام الأعمال العسكرية في إطار مقاومة الاحتلال الأجنبي، ومن ثَمَّ فإن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلي تُعد إرهاباً وفقاً لما تقدم.

موقف القانون الدولي:

مفهوم الإرهاب عند ترامب يخالف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 3246 بتاريخ 14 ديسمبر 1974، الذي أكد على شرعِيَّة حق الشعوب في الكفاح المُسلح في سبيل تحرُّرها من الاحتلال، وأن أي محاولة لقمع الكفاح المسلح ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية هي مخالفة لميثاق الأمم المتحدة، ولإعلان مبادئ القانون الدولي التي تختص بالعلاقات الدولية، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ولقد خالف “ترامب” في ذلك قرارات الأمم المتحدة التي تُقَرّ بحقوق الشعب في استرجاع حقوقه بالوسائل المُتاحة كافَّة، بما في ذلك الكفاح المُسلح حسب قرار الجمعية العامة رقم 3236 الصادر عام 1974 البند الخامس. وما سبق يعني أن مواثيق الأمم المتحدة قد نصت على حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما وضعت ملامح مُحددة لوصف الإرهاب، ومنْعت وصم المقاومة المشروعة بالإرهاب، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خرجت عن تلك المُحددات، إذ جعلت تعريف الإرهاب رهْن لسياساتها الخارجية، ومصالحها في العالم.

رابعا: نقل السفارة الامريكية الي القدس:

تعتبر مدينة القدس ذات مكانة روحية خاصة بالنسبة للمسلمين عامة، وللفلسطينيين على وجه الخصوص، وتعد أهم ركائز النزاع بين فلسطين ودولة الاحتلال، ورغم أن الأمم المتحدة تعترف بالقدس الشرقية كأرض محتلة وبالتالي فإنها تخضع لبنود معاهدة جنيف الرابعة، وترفض بذلك الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على القدس الشرقية، إلا أن إسرائيل استمرت في توسيع حدود القدس، رغم أن الأمم المتحدة اعتبرت ذلك عائقاً كبيراً أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.

وعليه فقد أثار القرار الأمريكي بنقل السفارة الامريكية من “تل أبيب” إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالأخيرة عاصمة رسمية ل دولة الاحتلال، حالة من الاستنكار والاستياء الشديد لدى الفلسطينيين والعالم، هذا القرار كان مبني على قانون أقره الكونغرس الأمريكي 1995، وصادق عليه الرئيس الأمريكي آنذاك “جورج بوش”، إلا أنه يتضمن بنداً يسمح للرؤساء بتأجيل نقل السفارة، 6 أشهر لحماية “مصالح الامن القومي”. ووقع الرؤساء الاميركيون المتعاقبون بانتظام أمر تأجيل نقل السفارة مرتين سنويا، معتبرين أن الظروف لم تنضج بعد، خلافاً لما أقدم عليه ترامب ليلة 6 ديسمبر2017، ان قرار ترامب بهذا الشكل لهو بمثابة منح من لا يملك اعترافاً لمن لا يستحق، وكأن التاريخ الظالم يعيد نفسه من جديد، فما أشبه اليوم بالأمس.

موقف القانون الدولي:

ينطوي هذا القرار على مخالفة واضحة لأحكام القانون الدولي الإنساني، وبالأخص للمبدأ القاضي بعدم جواز ضم أو الاشتراك بضم الأراضي المحتلة بالقوة, كما ويشرعن عمليات الاستيطان التي تعتبر جريمة حرب وفقاً لذات القانون، بالإضافة لأنه يخالف جوهر كافة القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، ولقرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية بشأن مدينة القدس، التي تزيد في مجملها عن (50) قراراً دولياً، والتي آخرها 2334 للعام 2016.

التوصيات:

ختاماً: إن التصدي للسياسات الأمريكية المنحازة لصالح إرادة الاحتلال تتطلب منا كفلسطينيين، القيام بالعديد من الخطوات أهمها:

1-   حث الأسرة الدولية قاطبةً، على إدانة الإجراءات الأمريكية التعسفية بحق شعبنا، والعمل على إصدار قرار أممي ينهي الاحتلال، ويمكن شعبنا من استعادة حقوقه المشروعة.

2-   تسريع خطوات المصالحة وتعزيز الوحدة ما بين غزة الضفة، وتبني خطط وسياسات تهدف إلى تعزيز صمود شعبنا، في مواجهة هذا العسف.

3-   تفعيل الاشتباك الدبلوماسي، والاستفادة القصوى من ترقية عضوية فلسطين بالأمم المتحدة، وإحالة ملفات جرائم الاحتلال للمحكمة الجنائية الدولية، وفق ما نصت عليه المادة 14 من ميثاق روما الامر الذي من شأنه تعزيز فرص عدم الافلات المجرمين الإسرائيليين من العقاب.

4-    تطالب الورقة المنظمات الدولية والأممية، جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية لضرورة التدخل لضمان حماية حقوق الشعب الفلسطيني، والاستمرار في عزل الموقف الأمريكي وصولاً إلى إلغاء قرار الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ومنع نقل السفارة الامريكية للقدس.

5-    تدعو الورقة القيادة الفلسطينية لتفعيل وتطوير منظمة التحرير، وللتحلل من تبعات اتفاق أوسلو، والتمسك بكامل الحقوق الوطنية الثابتة بقرارات الشرعية الدولية، ومطالبة دول العالم للاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس.

رابط مختصر