تقدير موقف: مخاطر اندلاع مواجهة عسكرية مع إسرائيل في ظل حكم ترامب
مقدمة
جاء التصعيد الإسرائيلي الأخير على حدود غزة، في سياق معطيات سياسة محلية وعربية ودولية غاية في الصعوبة والتعقيد، ويعد القصف الإسرائيلي لمواقع تابعة للمقاومة على الشريط الحدودي بمثابة انتهاكات لأحكام القانون الدولي الإنساني ، كونه يندرج في إطار الاستخدام المفرط للقوة، وعقاب جماعي لأبناء الشعب الفلسطيني .
وهدف الاحتلال من خلال العدوان إلى استفزاز المقاومة ومحاولة لجرها نحو مواجهة جديدة، في ظل محاولة وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية التهويل من قدرات حماس العسكرية، كمقدمة لتصعيد إسرائيلي جديد على غزة،فمع كل تصعيد عسكري جديد من قبل الجيش الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، تتصاعد فرص فتح مواجهة عسكرية جديدة بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، تستهدف السكان المدنيين والأعيان المدنية.
الأمر الذي آثار طرح عدة تساؤلات حول إمكانية اندلاع لمواجهة عسكرية جديدة؟، ومخاطر المواجهة العسكرية بين فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة مع إسرائيل في ظل حكم الرئيس ترامب؟وكيفية التعامل مع مثل هذه الاستفزازات خلال الفترة المقبلة؟
أولاً: فرص اندلاع مواجهة عسكرية في غزة
شكل الصاروخ الذي أطلق من غزة تجاه الداخل الإسرائيلي فرصة مناسبة للجيش الإسرائيلي بالقيام بعدة ضربات جوية للبنية التحتية للمقاومة الفلسطينية في غزة، والتي حملت عدة رسائل سياسية وأمنية فاقت الحدث نفسه، مما أثار تخوف من تحول الأمر لمواجهة عسكرية مفتوحة بين الطرفين.
فخلال الأيام القليلة الماضية ازداد وتصاعد الحديث في إسرائيل عن حرب ومواجهة عسكرية قريبة مع غزة، فتارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يهدد، ووزير جيشه ليبرمان يتوعد، وبينت يضع خطوطاً عريضة لإنهاء حكم حركة حماس بغزة، وأخيرًا حدد الوزير”غالانت” موعد الحرب في الربيع المقبل. حيث قال الجنرال السابق والوزير الحالي في الكابنيت “يوءاڤغالانت”- مرشح سابق لتولي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي- إنه على الجيش الاستعداد لمواجهة مع حركة “حماس” في الربيع القادم. وأضاف الجنرال “غالانت” لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “إنني أحدد بأن الربيع القادم يجب أن نكون جاهزين للمعركة مع حماس”. وزعم أن حركة حماس معنية بمثل هذه المواجهة وتحفر الأنفاق وتصنع الصواريخ باستمرار لمهاجمة الإسرائيليين. وأشار إلى أن الهجمات العنيفة بغزة كانت رداً على إطلاق الصاروخ من غزة تجاه عسقلان، قائلا “لن نسمح بالمساس في سيادتنا”([1])ومن جانبه أعتبر الكاتب في صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، “يوسي يهوشع”، أن حجم الرد الذي قام به الجيش الإسرائيلي على غزة، عقب إطلاق صاروخ وحيد من القطاع “مبالغ فيه”.وأكد في مقال له نشرته “صحيفة يديعوت” صباحيوم الثلاثاء 7/2/2017، تحت عنوان “اللعب بالنار”، أن موجة الردود التي قام بها الجيش على أهداف لحماس كانت غير عادية جدًا من ناحية حجمها واتساعها”.وبيّن أن “الجيش استغل الفرصة الميدانية التي أعدت لجني ثمن باهظ جدًا من حماس”، محذرًا من خروج أوقات التصعيد عن السيطرة “حتى لو كان الطرفين غير معنيين بهذا”([2]).
وجاء التصعيد الإسرائيلي في ظل تقديرات إسرائيلية تتحدث عن عدم رغبة حركة حماس بفتح مواجهة عسكرية جديدة، فقد ذكرت صحيفة “يدعوت أحرونوت” “أن التقديرات تُشير إلى أن حركة حماس ليس لديها نية للتصعيد. وتابعت الصحيفة ” بالرغم من التصعيد الأخير، فإن حركة حماس لن تتجه نحو التصعيد في هذه المرحلة، إلا أن الفرصة مازالت موجودة لتطور الأوضاع، ورأت “الصحيفة” أن أي حدث جديد سيشعل المنطقة. بينما قالت “هارتس” “: إن أعضاء في مجلس الوزراء الإسرائيلي ألمحوا أن الحرب المقبلة بغزة يمكن أن تحدث في غضون بضعة أشهر([3]).
ورغم حجم وقوة الضربات الإسرائيلية، إلا إن فصائل المقاومة الفلسطينية قد تحلت بضبط النفس، ولم ترد من جانبها على هذا القصف الإسرائيلي التي اعتبرته غير مبرر، وحذرت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة الاحتلال الإسرائيلي من استمراره في عدوانه على القطاع، مؤكدة أنها “مستعدة لكل الاحتمالات”. وقال قادة بالفصائل الفلسطينية، في تصريحات إعلامية أن العدوان الإسرائيلي “غير مبرر”، مشددين على أن المقاومة تدرك مراميه وأهدافه، وأن التزامها بالهدوء لن يدوم طويلا. ومن جانبه أكد عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كايد الغول، إن هذا العدوان الإسرائيلي هو ترجمة لتهديدات أطلقت من قيادات في الحكومة الإسرائيلية بأنها مستعدة لتوجيه ضربات لقطاع غزة([4]).
وعلى الرغم من تأكيد فصائل المقاومة والجيش الإسرائيلي على عدم رغبتهم في تطور الأوضاع لمواجهة جديد، إلا أن فرص اندلاع جولة قتال جديدة في غزة خلال الأشهر القادمة أمراً غير مستبعداً، خاصة في ظل الاستعدادات العسكرية المكثفة التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي معاً؛ استعداداً لوقوع هذا الاحتمال، الذي قد يشكل في حالة حدوثه مخرجاً لنتنياهو للهروب من الأزمة الداخلية، خاصة في ظل الحديث المتكرر من وسائل الإعلام الإسرائيلية حول قدرات فصائل المقاومة العسكرية،فقد حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلي بشكل متعمد تضخيم قدرات حماس العسكرية، بهدف إيجاد مبرر قوى للمستوى والسياسي والعسكري الإسرائيلي للذهاب لجولة تصعيد جديدة، تحقق من خلال إسرائيل عدة أهداف سياسية وعسكرية، أهما توجيه ضربات دقيقة للبنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، واختبار نوايا فصائل المقاومة الفلسطينية واستعداداتها لفتح حرب جديدة، في ظل الوضع الدولي الجديد.
ثانياً:مخاطر اندلاع حرب جديدة في ظل حكم ترامب
يعتبر اندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين فصائل المقاومة في غزة مع إسرائيل أمر محتمل ووارد جدا في أي لحظة، إلا أن اندلاع هذه المواجهة مع إسرائيل في ظل حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتخذ مواقف متشددة من القضية الفلسطينية أمر غاية في الخطورة، فهو يتخذ مواقف متشددة من القضية الفلسطينية بشكل عام وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة بشكل خاص، مما يعني أنه قد يعطي الضوء الأخضر لدولة الاحتلال الإسرائيلي ويوفر لها الغطاء الدولي بالقيام بأعمال مخالفة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، قد تصل لحرب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، في حالة اندلاع حرب جديدة.
حيث يعتبر الرئيس الأمريكي ترامب من أكثر الرؤساء الأمريكان “كراهية” للمقاومة المسلحة من ناحية، ولطبيعتها الإسلامية من ناحية ثانية، فخلال فترة الدعاية الانتخابية اتهم كلاً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي تحديداً، بتربية الأطفال الفلسطينيين على “العنف وكراهية اليهود”، ناهيك عن اشتراطه قبول الفلسطينيين بـيهودية الدولة الإسرائيلية؛ كما أبدى تشككه في النزعة السلمية لدى الطرف الفلسطيني، مشيراً إلى أن نزعة الإسرائيليين للسلام هي الأوضح[5].
ويشير ترامب بوضوح إلى ضرورة الوقوف بوجه ما اسماه “الإسلام السياسي المتطرف”، ويرى أن احتواء الإسلام السياسي لابد أن يكون أحد أهداف السياسة الخارجية الأمريكية والعالم أجمع، مؤكداً أن تطورات الأحداث تحتاج لتدخل عسكري وفي هذا الإطار يشبه ترامب التعامل مع “الإسلام السياسي المتطرف” بالكفاح الفلسفي في الحرب الباردة. وهنا يوضح نقطتين في آلية مكافحة انتشاره واحتوائه، الأولى: التنسيق والتعاون مع الحلفاء في الشرق الأوسط الذين يعانون من “الإرهاب” لمحاولة تضييق النطاق قدر الإمكان، والثانية: منع وتحجيم “الإرهاب” في الداخل الأمريكي والذي يتمثل في المهاجرين مؤخرًا ذوي الميول المتطرفة وارتفاع معدل وجودهم بكثرة في الولايات المتحدة، فوفقاً لتوجهات ترامب نجد أن معظم تصريحاته وتعبيراته تبالغ إلى أن تصل إلى القول بأن كل جماعات الإسلام السياسي متطرفة، ويظهر ترامب مُعاداة شديدة لـ(داعش وحماس وحزب الله والإخوان المسلمين)([6]).
ومن الواضح أن غالبية تصريحات ترانب تتنافى مع أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ، وقد تعتبرها إسرائيل غطاءا لها لشن عدوان جديد وواسع على قطاع غزه.
ويضاف لذلك انشغال غالبية الدول العربية في همومها واشكالياتها الداخلية، وحالة الانشداد لملفات اقليمية ساخنة كالملف السوري واليمني والعراقي والليبي.
وهذا الأمر قد تستغله حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي أشد استغلال خلال الفترات القادمة، في سبيل ممارسة مزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية على قطاع غزة، وحركة حماس، فهذه المواقف قد تشكل أرضيه مناسبة (وشيك على بياض) لدولة الاحتلال الإسرائيلي وآلتها العسكرية في التوغل بالدم الفلسطيني أكثر، في حالة اندلاع حرب جديدة في غزة، خاصة في ظل تولى المتطرف ليبرمان حقيبة وزارة الدفاع في وما ينادي به أن الحرب القادمة سوف تكون الحرب الأخيرة، ما ينذر بتعريض حياة أبناء الشعب الفلسطيني للخطر ولجرائم جديدة، تضاف لسلسلة الجرائم السابقة..
وفي ظل هذه المعطيات الدولية والإقليمية والعربية، وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة بسبب الحصار والدمار نتيجة العدوان المتكرر عليها ، وفي ظل مواقف الرئيس ترامب المسبقة من القضية الفلسطينية، ومن فصائل المقاومة الفلسطينية، يمكن لنا التأكيد على النقاط التالية:
أولا: ثمة مخاطر جدية على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزه من عدوان واسع ووشيك على قطاع غزه.
ثانيا: الإسراع في طلب الحماية الدولية لأبناء الشعب الفلسطيني في قطاع من أي عدوان قادم على قطاع غزه.
ثالثا: تفعيل دور الدبلوماسية الفلسطينية وممثلي الشعب الفلسطيني في الهيئات الدولية ، للتصدي لتصريحات ترامب وتهديد دولة الاحتلال.
رابعاً: دعوة الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف لاتخاذ الإجراءات اللازمة ضد تهديدات حكومة الاحتلال.
سادساً: ضرورة تحلى فصائل المقاومة الفلسطينية بأقصى دراجات ضبط النفس، وعدم الانجرار خلف الاستفزازات الإسرائيلية، التي قد تسعى لفتح مواجهة عسكرية جديدة في ظل المعطيات الدولية والإقليمية والعربية، خاصة في ظل حكم الرئيس ترامب، بهدف تفويت الفرصة على الاحتلال الإسرائيلي، وضمان أمن واستقرار المواطن الفلسطيني.
سابعاً: العمل بشكل جدي وفاعل على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، التي تعتبر الضمانة الأولى لمواجهة مخططات قوات الاحتلال الإسرائيلي سواء في غزة أو بالضفة الغربية
ثامناً: ضرورة التنسيق الكامل مع السلطات المصرية، بهدف تفعيل الدور المصري الفعال في حفظ أمن واستقرار الأوضاع في قطاع غزة، بما يضمن تجنب حرب جديدة على القطاع، والاستفادة من العلاقات المصرية الأمريكية في تحت حكم ترامب.
خاتمة
على الرغم أن التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير على غزة، لم ستمر سوى أيام قليلة، إلا أنه حمل في طياته رسائل سياسية وعسكرية عديدة لجميع الأطراف، ومن جانب آخر قد يكون مقدمة لعدوان أوسع وأشمل خلال الأشهر القليلة القادمة، خاصة في ظل الظروف والمعيطات الدولية والإقليمية، الموجودة الآن في ظل المواقف التي يتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من المقاومة الإسرائيلية، الأمر الذي يتطلب سرعة انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وعدم الانجرار خلف الاستفزازات الإسرائيلية، وعدم إعطاء قوات الاحتلال أي مبرر مجاني لاستغلال الظروف الحالية ضد الشعب الفلسطيني. كما يتطلب تفعيل كل الآليات الدولية لحقوق الإنسان في مواجهة شبه العدوان.