واقع استهداف قوات الاحتلال للأطفال المشاركين بمسيرات العودة

واقع استهداف قوات الاحتلال للأطفال المشاركين بمسيرات العودة

رمزي ابو العون
2023-03-19T14:39:56+03:00
أوراق حقائقالرئيسيةمهم

ورقة حقائق

واقع استهداف قوات الاحتلال للأطفال المشاركين بمسيرات العودة

نشوى عابد / الدائرة القانونية

مقدمة:

رغم الحماية القانونية المقررة للطفل وفقاً لما نصت عليه اتفاقيات جنيف 1949، والتي منحت الأطفال وضعاً خاصاً لا يمكن تجريدهم منها لأي سبب أو عذر، وكذلك لاتفاقية حقوق الطفل 1989، لكن تبقي هذه النصوص هي مجرد حبر على ورق، والدليل على ذلك تعمد قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي انتهاكها لهذه القوانين والاتفاقيات، من خلال الاستهداف العمدي للأطفال الفلسطينيين على نحو من الوحشية الفرطة وغير الإنسانية، إذ مازالت قوات الاحتلال تمعن في سياسة اعتقال وقتل وأسر الأطفال خلافاً لكل الاتفاقيات، إن استهداف الأطفال الفلسطينيين المشاركين سلمياً في فعاليات العودة الكبرى الذي انطلقت في 30 مارس 2018، على الحدود الشرقية لقطاع غزة على الرغم من سلميتها الكاملة، وعدم تشكيلها تهديداً على حياة أي من جنود الاحتلال الإسرائيلي المنتشرين على طول السياج الحدودي الفاصل، إلا أن جنود الاحتلال قد بادروا باستخدام القوة المفرطة والمميتة في سياق تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم الأطفال ما أسفر بحسب احصاءات وزارة الصحة الفلسطينية إلى مقتل (13) أطفال على الأقل، وإصابة  حوالي (2096) طفلاً، علماً بأن الإصابات قد تركزت على الرأس والمناطق العلوية للجسم،  ما يؤكد حقيقةً على قصد قتل الأطفال الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة، في مشهد يتنافى مع القيم الإنسانية والقانونية، ويخالف صريح أحكام القانون الدولي الإنساني.

وعليه فإن هذه الورقة تستهدف تسليط الضوء على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال الفلسطينيين، المشاركين في فعاليات العودة السلمية، بالارتكاز على المنظومة الحقوقية الدولية ذات الصلة بحقوق الأطفال.

  •  تعريف الطفل وفقاً للقانون الدولي:

يُعرف الطفل في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، م1: على أنه كل شخص دون الثامنة عشرة من عمره، ما لم يكن القانون الوطني يحدد سناً آخر لبلوغ مرحلة الرشد، ولكل دولة أن تحدد سن الرشد لديها، ولكن لا يجب أن يحيد كثيراً عن المعايير الدولية. فقد نصت المادة 88 من البروتوكول الأول في فقرتها الأولى: “يجب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص وأن تكفل لهم الحماية ضد أي صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن يهيأ أطراف النزاع الحماية والعون للذين يحتاجون إليها، سواء بسبب سنهم أم لأي سبب أخر”، كما نصت المادة الرابعة من الفقرة الثانية من البروتوكول الثاني، على أنه ”يجب توفير المعونة والرعاية لأطفال بالقدر الذي يحتاجون له.” وقد تأكد هذا الأمر مع تبني الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في عام 1989، والتي شكلت منعطفاً حاسماً في تاريخ الطفولة، حيث أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسانية وعالمية لا يمكن التغاضي عنها.[1]

  • حماية الأطفال في ضوء قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني:

حرّمت قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل قاطع وصريح الاعتداء على المدنيين، وعليه ألزمت الأطراف المتعاقدة بضرورة اتخاذ التدابير المناسبة التي تجعل المدنيين بمعزل عن التأثر بالعمليات الحربية، ويلاحظ ذلك في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب عام 1949، والتي خصت الأطفال بحماية خاصة باعتبارهم أطفالاً طبيعتهم النفسانية والجسدية التي تتطلب تلك الحماية، ولكونهم أشخاصاً مدنيين لا يشاركون في الأعمال العدائية أيضاً، وما يدلل على أنها اعترفت لهم  بحماية خاصة أوردتها في (17) مادة على الأقل، ولما كان البروتوكولان المؤرخان في عام 1977، والإضافيان لاتفاقيات جنيف لعام 1949، يمثلان تعبيراً عن التقدم الهام الحاصل للقانون الدولي الإنساني، فإنهما يمنحان الأطفال حماية خاصة ومتزايدة ضد آثار الأعمال العدائية[2].

ولقد تأكدت هذه الحماية مع تبني الأسرة الدولية للاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل 1989، والتي أقرّتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ: 20 تشرين الثاني/نوفمبر1989، وصادقت عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1991، لقد شكلت هذه الوثيقة الدولية منعطفاً حاسماً في تاريخ الطفولة، إذ أصبح ينظر إلى حقوق الطفل على أساس أنها حقوق إنسان عالمية لا يمكن التغاضي عنها.

  • حماية الأطفال وقت النزاعات والتوترات المسلحة:

إن استهداف الأطفال في النزاعات المسلحة هي من أشد الظواهر، فهي ظاهرة باتت تثير المزيد من القلق لاسيما في الوقت الحالي، فهي تلك الظاهرة التي انتشرت في كثير من النزاعات حول العالم، وذلك في مخالفة واضحة وصريحة لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني، وتبرز حالة أخرى يحتاج فيها الطفل فيها للحماية بشكل خاص، وهي حالة الاحتلال الحربي، بوصفه وضعاً ناجماً عن النزاع المسلح، الذي قد يتحول إلى نزاع مستمر تتمثل خطورته الكبرى في وجود قوات الاحتلال بين السكان المدنيين، كما هو الشأن بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وما يؤذيه ذلك لاعتداءات مستمرة من جانب قوات الاحتلال على المدنيين من بينهم الأطفال، ما يجعل وضع الأطفال في الأراضي المحتلة، بالغ الخطورة ليس على حياتهم قط، بل على رزمة حقوقهم كاملة، لذلك يحتاج الأطفال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة لحماية خاصة، بالانسجام مع ما اعترفت به اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والبروتوكول الأول الملحق بها لعام 1977 والذي قد أضفى حماية خاصة لصالح الأطفال في حالات النزاع المسلح، إذ نص على أنه: “يجب أن يكون للأطفال موضع احترام خاص، وأن تكفل لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء، ويجب أن تهيئ لهم أطراف النزاع العناية والعون الذين يحتاجون إليهما، سواء  بسبب صغر سنهم، أو لأي سبب آخر”[3].

  • تعمد استهداف قوات الاحتلال للأطفال بمسيرات العودة في ميزان القانون الدولي:

تصاعد وقوع الأطفال كضحايا مباشرين في قطاع غزة على يد قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، كنتيجة مباشرة لاستمرار استخدامها القوة المفرطة والمميتة، والتي تشكل انتهاكات جسيمة، دون أي اكتراث بقواعد القانون الدولي الإنساني، وفي مقدمتها المبدأ الراسخ الضرورة العسكرية أو الحربية، والتناسب والتمييز، وهو ما يتضح جلياً خلال تعمد استهداف قوات الاحتلال للمشاركين المدنيين في التظاهرات السلمية بفعاليات العودة الكبرى، وفي مقدمتهم استهداف الأطفال، الذين كانوا الأكثر معاناة وتعرضاً لآثار الهجمات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة، والتي أسفرت حتى كتابة هذه الورقة عن مقتل (117) مواطناً، بينهم (13) أطفال، و(2) من الصحفيين، (2) من الأشخاص ذوي الإعاقة، فيما أصيب حوالي (13100) مواطناً بإصابات مختلفة، بينهم (2096) طفلاً، و(330) من إجمالي الإصابات إصابات خطيرة، والأعداد مؤهلة للارتفاع، نتيجة الإصابات الخطيرة، نتيجة استمرار قوات الاحتلال في نهجها الحربي العنيف في مواجهة المتظاهرين العزل بقطاع غزة، الذين عقدوا العزم على استمرار تظاهراتهم السلمية وصولاً للذروة يومي 14و15 مايو. ما يظهر حقيقةً عدم التزام دولة الاحتلال بإعمال قواعد القانون الدولي الإنساني ذات والتي منحت الأطفال والمدنيين وضع حماية خاص لا يجوز بأي حال من الأحوال تجريدهم منه، إلا في حدود ضيقة ومحدودة جداً، وتزداد معاناة الأطفال الفلسطينيين في ظل غياب الإرادة الدولية الملزمة للاحتلال، باحترام الشرعية الدولية،  ما يشجعها على الاستمرار في انتهاكاتها لحقوق الأطفال الفلسطينيين، الذين يستحقون العمل معهم ومن أجلهم، بما يضمن لهم صيانة حقوقهم بصفتها حقوق إنسان في المقام الأول.

ختاماً: إن صيانة منظومة حقوق الأطفال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لن تتأت إلا من خلال جهد دولي حقيقي يلزم دولة الاحتلال بتحمل مسئولياتها، في إطار توفير الحماية، بصفتها دولة احتلالية عليها الكثير من الالتزام تجاه سكان الإقليم المحتل، ومحاكمة جنود الاحتلال على جرائمهم بما ينسجم مع فكرة العدالة الدولية.

التوصيات :

  1. يجب على المجتمع الدولي الوقوف ضد سياسات الاحتلال، تعمد استهداف الأطفال الفلسطينيين، من خلال الضغط على دولة الاحتلال، ومحاكمة قادتها.
  2. مطالبة دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى احترام قواعد القانون الدولي الإنساني وتطبيقاتها، بما يضمن تمتع الأطفال الفلسطينيين بحقوقهم المكفولة.
  3. مطالبة اللجنة المعنية بمراقبة حقوق الطفل لأن تتخذ إجراءات عملية أكثر صرامة بحق الدول التي تنتهك حقوق الطفل، ودمغها على القوائم السوداء.
  4. العمل على إحالة ملفات محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين لمحكمة الجنايات الدولية عملاً بالمادة (14) من ميثاق نظام روما الأساسي المنشئ، من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية.

[1] جميل عودة/  الأطفال.. ضحايا النزاعات المسلحة – مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات anhri.net/

[2] د. طفيل طلافحة – حماية الأطفال فى القانون الدولي الإنساني- جامعة الاسراء – الأردن 24/5/2010

[3]–  د. مصلح حسن أحمد –  حماية الأطفال فى النزاعات المسلحة – الجامعة الاسلامية / كلية القانون .

رابط مختصر